قضايا وآراء

لكي تعود قضية فلسطين طارئة وملحة

نزار السهلي
"لم يعد الفلسطينيون بحاجة لتأكيد ثوابتهم التي أفشلت تهجيرهم من أرضهم في غزة"- جيتي
"لم يعد الفلسطينيون بحاجة لتأكيد ثوابتهم التي أفشلت تهجيرهم من أرضهم في غزة"- جيتي
المناخ الذي يخيم على المنطقة العربية، وفي المركز منها قضية فلسطين، وما نتج عنه من انهمار لجرائم الإبادة والتطهير العرقي في غزة، كان يُؤمل بعده إنعاش ضمائر وسياسات عربية وغربية، تعيد الاعتبار لما تتشدق به عن القانون الدولي وشريعة حقوق الإنسان، وتقرير المصير والحرص على السلام في المنطقة العربية، وفي العالم، وأن يكون هناك مظهر لقوة محايدة تتسامى على العجز والنفاق والانهيار الذي أصاب المنظومة الأخلاقية والسياسية للمجتمع الدولي؛ بمحاباة جرائم الإبادة الجماعية في غزة، والتي دفعها للمضي بارتكاب الجرائم.

فرياح التعقيد تهب على المنطقة، بمجموعة مشاريع أمريكية استعمارية، وصريحة العداء للحقوق الفلسطينية وجلية في دعم مشروع العدوان الشامل، تهدف لتنفيذ جرائم التطهير العرقي في الضفة وغزة، وهو ما حصل عليه نتنياهو في زيارته الأخيرة لواشنطن من دونالد ترامب، مع إحساس بالدعم لتتويج "انتصاره" بعد العدوان على غزة لإبقاء إسرائيل قوة مهيمنة ومتطورة في المنطقة بدعم أمريكي يسمح لها بتمزيق كل الشرائع الدولية، والاستهزاء بكل القانون الدولي.

رياح التعقيد تهب على المنطقة، بمجموعة مشاريع أمريكية استعمارية، وصريحة العداء للحقوق الفلسطينية وجلية في دعم مشروع العدوان الشامل، تهدف لتنفيذ جرائم التطهير العرقي في الضفة وغزة، وهو ما حصل عليه نتنياهو في زيارته الأخيرة لواشنطن من دونالد ترامب

فزيادة الروح الإسرائيلية الهجومية على مصر والأردن، بعد وعد ترامب الأخير بتهجير سكان غزة إليهما، ثم على السعودية، هي لخلق إحساس بالدونية عند الجانب العربي الموصوف في الذهنية الأمريكية كمطيع وخادم للأوامر وعليه التنفيذ فقط، لم تدرك هذه الروح أن تأثيرات ما جرى ويجري على الساحة الفلسطينية والعربية قد خلق ما يعمق الروح الدفاعية عند البعض العربي، ولو بنسب وأشكال متفاوتة للمخاطر الكبرى، وللمأزق الذي قتل فرص السلام والتطبيع الذي تطمح تحقيقه إدارة ترامب دون تدفيع إسرائيل الثمن، لا بل مكافأتها على ما اقترفت من جرائم، ومعاقبة كل من يقف في وجهها، وإحداث شلل للإرادة العربية الرافضة على الأقل حتى الآن لكل الخطط الأمريكية الإسرائيلية التي تمس حق الشعب الفلسطيني في وجوده فوق أرضه، والتمسك بمبدأ حل الدولتين، لكن هذا التمسك فُهم إسرائيليا وأمريكيا بالقول إن هناك قدرة إسرائيلية أمريكية على ابتلاع كل المواقف العربية والفلسطينية التي من شأنها لجم الغطرسة الصهيونية في المنطقة.

ربما يكون في هذا القول أو ذاك شيء من الصحة، لكن الأصح أيضا، أنه كلما تأخر لجم إسرائيل يكون الثمن أكبر، والحديث عن مشاريع خطيرة ومنعطفات أخطر تواجه قضية العرب المركزية لم يعد مجرد تهيؤات في ديباجة الكلام العربي الرسمي، فيما بعض الأنظمة العربية توسمت "خيرا" في قبول إسرائيل لتغيير جلدها الاستعماري، في حين أن لديها رغبة في توسيع جرائم الإبادة والتطهير العرقي نحو الجغرافيا العربية المُطالبة أمريكيا وإسرائيليا بأن تنفذ انتحارا جماعيا لتقديم قرابين الطاعة للمستعمر. وليس الهدف من هذا الكلام الوصول إلى نتيجة تقول إن العالم العربي لا يستطيع إنقاذ قضيته المركزية من التبديد والطمس، وأن الامتثال لأفكار اليمين الصهيوني الأمريكي الفاشي بحق شعب فلسطين هو الذي سيمر كما مر الخذلان الكبير في النكبة والهزيمة، لكن هذا كلام يدعو لصحوة لمجابهة الحقيقة العارية والصارخة والصعبة بأن عدم تحقيق إجماع فلسطيني أولا وعربي ثانيا لن يزهق الروح العدائية لإسرائيل.

القضية الفلسطينية تحتاج اليوم لإجماع عربي، ولموقف على مستوى القادة والزعماء في قمتهم المقترحة في القاهرة هذا الشهر. والفلسطينيون بحاجة ماسة قبل ذلك الى هذا التسامي المفقود بالعلو على الجراح والانقسام، فمأمن التمترس السلطوي والحزبي لا تحتاجه فلسطين وشعبها، وكما كان الشعب يحتمي بمظلة منظمة التحرير الفلسطينية في كل مناخ وإعصار يحمله عدوان الاحتلال لأرضهم، هم بحاجة اليوم لاستراد هذه المظلة وتخييط كل عيوبها وثقوبها التي تسرب منها استيطان وتهويد وجرائم، وحتى لا تشعر إسرائيل أنها تواجه شعبا أعزل في الأراضي المحتلة مع سلطة عاجزة بسقف أوسلو المتهدم.. الفلسطينيون بحاجة لهدم وهزيمة جيش الشرذمة والانقسام الذي تحاربهم به إسرائيل مع ترسانتها الأخرى، لدى الفلسطينيين مواقف عربية واضحة برفض خطط نتنياهو وترامب،
مناخ فرض الهزيمة والحلول ومحاباة جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في فلسطين، يخلق عند الإنسان الفلسطيني والعربي إحساسا عميقا بضرورة الرد، فحسم الصراع على طريقة نكبة الأمس وإبادة اليوم، مع يقين بأن المدافع العربية ستصمت للأبد بفعل الردع بالجرائم والغطرسة المطلقة، لن ينجح
ولديهم مواقف دولية أعلنت بوضوح تمسكها بفكرة حل الدولتين والتأكيد على القرارات الدولية، واستثمار كل ذلك بحاجة لأن يعاد تمتين الصلابة الداخلية والتوجه نحو الداخل العربي بخطاب الصراع العربي الإسرائيلي مجددا، بعد إعلان العدوان الإسرائيلي الأمريكي المباشر على سيادة عربية في الأردن ومصر والسعودية.

لم تعد هناك حاجة لاستيضاح عربي رسمي لموقف الإدارة الأمريكية من قضية فلسطين، كل زوارها وسفرائها ومبعوثيها خصوصا في إدارة ترامب مواقفهم تعكس رؤية دعم العدوان وتنفيذ جرائم الإبادة والتطهير العرقي والتخلص من "المشكلة"، باعتبارها عربية يجب تحميل العرب مسؤولية إيجاد حلول ومشاركة العقل الصهيوني والأمريكي لفكرة طمس هذه القضية. وقد سمعنا جميعا حالة التزاحم في التصريحات الأمريكية لدعم توجه السياسة الإسرائيلية بما لا يدع مجال للشك أو محاولة التفسير للتقرب من فم ترامب لكشف همساته أو فجاجته وغطرسته المطلقة والاستعلائية، مثل "سيقبلون" بما يطرح، ولم يعد الفلسطينيون بحاجة لتأكيد ثوابتهم التي أفشلت تهجيرهم من أرضهم في غزة. وتحاول أمريكا وإسرائيل من خلفها تدجين وقهر العالم العربي بخاتمة استعمارية جديدة في مصر والسعودية والأردن.

أخيرا، مناخ فرض الهزيمة والحلول ومحاباة جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في فلسطين، يخلق عند الإنسان الفلسطيني والعربي إحساسا عميقا بضرورة الرد، فحسم الصراع على طريقة نكبة الأمس وإبادة اليوم، مع يقين بأن المدافع العربية ستصمت للأبد بفعل الردع بالجرائم والغطرسة المطلقة، لن ينجح، لبديهيات كثيرة تتعلق بالحسم والإرادة التي تتمسك بهما الشعوب وجربت في دحر إمبراطوريات استعمارية حول الأرض. والحسم والإرادة لا ينطلقان إلا من مفردات الثبات والوحدة والصمود والدعم، وهي في القاموس الفلسطيني والعربي مبعثرة وبحاجة لحل، لكي تعود القضية الفلسطينية عاجلة وملحة وطارئة عربيا ودوليا.

x.com/nizar_sahli
التعليقات (0)