تتصاعد حدة السجال السياسي في
العراق، حول شخصية رئيس الوزراء المقبل، والذي يسعى الإطار التنسيقي الشيعي لاختياره باعتباره الكتلة الأكبر في البرلمان، لكن وفق شروط أثارت جدلا في الأوساط السياسية، ورآها البعض بأنها ستأتي بشخصية مجرّدة من الصلاحيات.
وكشف قصي محبوبة عضو ائتلاف "الإعمار والبناء" بزعامة رئيس الوزراء الحالي محمد شياع
السوداني، الأحد، أن الإطار التنسيقي وضع مجموعة شروط لاختيار رئيس الوزراء الجديد، منها: عدم ممارسة العمل سياسي، أو تشكيله حزبا والمشاركة في
الانتخابات.
وأضاف محبوبة خلال مقابلة تلفزيونية، أن هذه الشروط، وفق رؤيتهم، تهدف إلى الدفع نحو رئيس وزراء منزوع الصلاحية السياسية، مبينا أن "الإطار يريد رئيس حكومة بصفة دمية، وهو ما يرفضه ائتلاف الإعمار والتنمية بشكل قاطع".
"صاحب مشورة"
وفي المقابل، قال المحلل السياسي العراقي، وائل الركابي، إنه "لا يوجد موقف رسمي لفرض هذه الشروط، لكن بعض قادة الإطار يعتقدون أن فرض البعض منها يعطي رئيس الوزراء حرية أكثر للعمل في الجانب الوطني والعلاقات الخارجية دون تركيز اهتمامه للحصول على ولاية ثانية".
وأوضح الركابي لـ"عربي21" أن "قادة الإطار يريدون الاتفاق على ما مدى تجديد ولاية ثانية للسوداني من عدمها، وفي حال انتهوا من هذا الموضوع فإنهم سيتجهون للاتفاق على اختيار رئيس للوزراء، وبالتأكيد ستكون ثمة شروط وهي من أجل المصلحة العامة للدولة".
أكد الخبير العراقي أن القادة السياسيين إذا وصل بهم الأمر إلى جعل رئيس الوزراء دمية وموظف، فإنه لن يصل بنا الحال إلى بناء بلد قوي يحتاج قيادة قوية وصاحبة قرار، لأن من يتول هذا المنصب يفترض أن يتحلى بالشجاعة والقدرة على اتخاذ القرارات، خاصة في الظرف الاستثنائية الحالية وما تتعرض لها المنطقة.
واستبعد الركابي أن "يرغب قادة الإطار بأن يكون رئيس الوزراء دمية، بل على العكس فإنهم ينتقدون سلوك وضعف بعض رؤساء الوزراء السابقين، وإنما هم يريدون شروطا تعطي قوة لمن يتولى هذا المنصب".
لكنه لم يستبعد أن تكون هناك بعض الشروط التي تجعل من رئيس الوزراء "صاحب مشورة" مع هذه الكتل، وليس تصل به الحال إلى التفكير فقط بالتجديد لولاية ثانية، وإنما عليه أن ينشغل في عملية البناء الحقيقي للعلاقات الخارجية وفي الداخل العراقي وعلى جميع الأصعدة.
ومنذ ظهور نتائج الانتخابات، تطرح أطراف قريبة من الإطار العديد من الأسماء على أنهم مرشحون لتولي منصب رئيس الوزراء، منها حميد الشطري رئيس جهاز المخابرات، ومصطفى الكاظمي، وعادل عبد المهدي، رئيسا الوزراء السابقين، على اعتبارهم لا يمتلكون أحزابا.
وبحضور السوداني، وقعت جميع أطراف الإطار، الاثنين، على اعتبارهم "الكتلة الأكبر"، معلنين تشكيل لجنتين؛ الأولى تتولى مقابلة المرشحين لمنصب رئيس الوزراء وفق معايير مهنية ووطنية، والثانية تتكفل بمهمة التفاوض مع القوى السياسية السُنية والكُردية.
اظهار أخبار متعلقة
"خارطة جديدة"
وبخصوص ما يدور من شروط ومدى فرض الإطار رئيس وزراء مجرد الصلاحيات، قال المحلل السياسي العراقي، أثير الشرع لـ"عربي21"، إن "المعايير التي صرح بها محبوبة مبالغ بها، لكنه ربما سمع مقترحات بعض قادة الإطار تذهب بهذا الاتجاه".
وأضاف الشرع أنه "من غير المستبعد أن يتبوأ السوداني رئاسة الوزراء مرة ثانية، وأن اسمه مطروح بقوة حاليا، خصوصا أن نسبة المشاركة في الانتخابات كانت بجهود حكومية، وأن الإطار يريد ديمومة العلاقة مع المواطنين ودفعهم للمشاركة بانتخابات مجالس المحافظات بعد عامين".
وأشار إلى أن المناصب التنفيذية يفترض أن تسند إلى شخصيات من التكنوقراط، لأنه إذا كان رئيس الوزراء سياسيا سيسعى لجعل كتلته واحدة من الكتل الكبيرة، وهذا ما حصل مع السوداني عندما رفع من شأن "تيار الفراتين" الذي كان يمتلك مقعدين فقط في الدورة الانتخابية السابقة.
وبحسب الشرع، إن الحديث الذي يدور اليوم بين قادة الإطار هو مشاركة كل الكفاءات في إدارة الحكومة، لكن ليس الاتيان بشخصيات تتفوق عليهم أو تكون في مصافهم، وإنما حتى تنجح في عمله، خصوصا أن الكتل السياسية الشيعة لا تريد أن تخسر.
ولفت إلى أن القوى الشيعية تريد رسم خارطة سياسية جديدة بعد تشكيل الحكومة، لكن من الصعب فرض شخص ضعيف لرئاسة الوزراء، بل يجب أن يكون قويا وقادرا على إبعاد العراق عن المخاطر الخارجية، إضافة معالجة الملفات الداخلية، مثل ملف المياه والسلاح المنفلت وغيرها.
وشدد على أن القوى الشيعية تسعى إلى أخذ وزارة الخارجية من المكون الكردي، لأنها أخفقت في الكثير من الملفات ولم تكن بمستوى التحديات في المنطقة، لذلك يسكون التركيز على الوزارات السيادية، لأن ما يهم البيت الشيعي هو ديمومة النجاح وإعادة بناء الثقة مع المواطنين.
ورجح الشرع أن يتفق الإطار على أن الشخص الذي يعطى وزارة مهمة تكون الأولوية لها العمل على تحسين الملف الذي يتولى إدارته، وألا يصبح لديه طموح للترشح في الانتخابات المقبلة ويسعى إلى مناصب عليا، بالتالي ينافس قادة الإطار التنسيقي.
أتوقع الخبير العراقي، أن يعطى المدنيون (التيار المدني) مناصب مهمة في الحكومة المقبلة، لأنهم من التكنوقراط، لكن رأي السنة والأكراد يجب أن يؤخذ في نظر الاعتبار فهم يرون أن أفضل رئيس وزراء تعاون معهم ونفذ نسبة كبيرة من الاتفاق السياسي هو السوداني.
وتساءل الشرع، قائلا: "كيف تقبل المكونات الأخرى غير الشيعية بمن يترشح ليكون رئيسا للوزراء دون النظر إلى مصالحها؟ لذلك يجب أن تكون هناك مقبولية تامة من كل القوى والشخصيات لمواصفات المناصب الرئاسية، وأنه من الصعوبة هنا أن تطرح أسماء غير مقبولة".