تتواصل الكارثة الإنسانية في قطاع
غزة بسبب حرب الإبادة
الإسرائيلية وتصعيدها مؤخرًا ضمن عملية "عربات جدعون" التي تهدف علنًا إلى تهجير الفلسطينيين، وذلك مع زيادة كبيرة في معدلات القصف واستهداف المدنيين، مما يتسبب بمئات الشهداء والمصابين يوميًا.
ويحاول
الاحتلال التهرب من جرائمه المستمرة من خلال إصدار "أوامر إخلاء" للمناطق التي سيكثف العدوان ضدها، مطالبًا سكانها بالنزوح إلى المناطق الجنوبية، وهي التي أعلن سابقًا أنه يجهزها تمهيدًا لطرد الفلسطينيين إلى خارج القطاع.
وتأتي أوامر الإخلاء التي باتت تصدر بشكل شبه يومي، وسط انهيار مظاهر الحياة اليومية والقطاعات الأساسية المختلفة، في ظل تفشي المجاعة وانعدام وسائل المواصلات والوقود بشكل تام تقريبًا.
"مسافة قصيرة"
تقول فائزة (41 عامًا) إنها تعيش حاليًا مع زوجها وعائلتها في بيت أبيها الذي استُشهد في شهور الحرب الأولى، بعد تدمير منزلها بشكل تام قبل دخول وقف إطلاق النار المؤقت في كانون الثاني/ يناير بأيام فقط، موضحة: "طوال شهور الحرب ولأكثر من سنة، بيتي كان موجودًا، وقبل الاتفاق الأخير بأيام قليلة جرى تدميره".
وتضيف فائزة لـ"عربي21" أن البيت الذي تسكن فيه حاليًا يقع على بعد مسافة بسيطة وقليلة عن منطقة طلب الاحتلال الإسرائيلي إخلاءها بشكل رسمي، موضحة: "هذا لحاله شيء مرعب ومخيف، يعني هو اليهود فارقة معهم الخرائط اللي بنزلوها، الضرب وين ما كان".
وتكشف: "طبعًا حتى نتمكن من الاستقرار في البيت الحالي صرفنا كل ما معنا من أموال من أجل ترميم ما يمكن فيه حتى يصلح للعيش، سواء بتصليح الصرف الصحي، وتمديد خطوط مياه، وتصليح خزانات المياه، وإغلاق الشبابيك والباب الرئيسي".
وتوضح: "هذا كله كلّف أموالًا طائلة، بسبب أن كل شيء غير متوفر في غزة، والآن بكل بساطة أنا مهددة بترك كل شيء خلفي وأخرج إلى المجهول مرة أخرى فقط بقرار على مزاج إسرائيل".
وتؤكد: "والله ما فينا حيل ولا طاقة ولا قدرة على تكرار ما حصل معنا مرة أخرى، لما نزحنا في أول الحرب ما كنا عارفين تحديدًا إيش حيصير معنا، لكن هذه المرة إحنا عارفين مقدمًا إنه سيكون أسوأ بكثير".
"إخلاء غير رسمي"
بدوره، يكشف سامي (36 عامًا) أن بيته الذي نجا من الاجتياح البري لقطاع غزة في شهور الحرب الأولى يقع ضمن منطقة إخلاءات "غير معلن عنها حتى الآن"، مضيفًا: "أنا أعمل في مؤسسة دولية، ومنذ شهر نعرف من مؤسسات أممية أخرى لنا شراكات معها المناطق التي ستتعرض للإخلاء أو القصف المكثف".
وشرح سامي لـ"عربي21" أن "بعض المؤسسات التابعة للأمم المتحدة تعمل على تنسيق تحركاتها وأماكن تواجدها مع إسرائيل منذ بداية الحرب، ومن خلال معرفة بعض الأشخاص تصلنا خرائط وتعليمات مختلفة حول الأماكن الخطرة".
ويضيف: "اليوم جرى تداول صورة لمنطقة إخلاء جديدة، إلا أن الجيش الإسرائيلي لم يُعلن عنها بشكل واضح لاحقًا كما اعتدنا في الشهور الماضية، كنا دائمًا أول من يعرف بقرارات الإخلاء، وفي خريطة اليوم وجدت نفسي ضمن منطقة الإخلاء".
ويقول: "بدأت أفكر إلى أين أذهب، وكيف لي أن أعيد كل ما فعلته من سنة ونصف مرة أخرى، وبعد ساعات وصلت لنا رسالة أخرى أن الخريطة الحالية هي فقط لتنبيه المؤسسات الدولية أن الجيش الإسرائيلي سيعمل في هذه المنطقة، دون الطلب من السكان
النزوح بشكل رسمي".
ويتابع: "مش مشكلة إحنا والناس نموت عادي، لكن المهم الأجانب اللي في هذه المؤسسات يدبروا أمورهم ويتحركوا إلى أماكن ثانية، وطوال شهور الحرب حتى الأجانب لم يسلموا من إسرائيل وجرى استهدافهم بشكل مباشر في أكثر من مرة".
"كيف أنزح؟"
ومن ناحيته، يقول سالم (34 عامًا) إنه تمكن من النزوح والنجاة بعائلته أكثر من مرة خلال حرب الإبادة المستمرة، وأنه كان يستخدم خلال ذلك سيارته التي تدمرت خلال الأسابيع الماضية فقط، وحاليًا لا يوجد له أي وسيلة مواصلات ليستخدمها حتى لو قرر النزوح مجددًا.
ويوضح سالم لـ"عربي21" أن الناس التي تنزح حاليًا تتحرك داخل مدينة غزة نفسها تقريبًا، وترفض بشكل كبير التوجه إلى الجنوب مرة أخرى كما حصل في شهور الحرب الأولى.
ويضيف أنه "حتى لو استطاع توفير سيارة أخرى فإن الوقود تقريبًا غير موجود، وإن توفر يكون ثمنه باهظًا جدًا، نحن أمام خيارات مستحيلة، لا يوجد طعام، وإن اضطررت للنزوح لن تستطيع حمل قليل من الطعام المتوفر لك في البيت، هل أترك أولادي وأحمل الطعام والحاجيات الأساسية؟".
ويؤكد: "أعتقد الناس لن تقبل أن تتوجه للجنوب مرة أخرى وأن تقيم في مخيمات للنازحين، لا أحد يرغب أو يتحمل العودة لهذا الموضع، حتى إن الإمكانيات لذلك غير موجودة، وإمكانية صنع خيمة من النايلون، الأخشاب، وغيرها أصبحت غير واردة، لأن الحرب استهلكت كل شيء، استهلكتنا نحن أيضًا".
وتواصل "إسرائيل" سياسة تجويع ممنهجة لنحو 2.4 مليون فلسطيني في غزة، عبر إغلاق المعابر بوجه المساعدات المتكدسة على الحدود منذ 2 آذار/ مارس الماضي، ما أدخل القطاع مرحلة المجاعة وأودى بحياة كثيرين.
فيما وسّع جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الأيام الماضية إبادته في قطاع غزة، معلنًا "عملية برية في شمالي وجنوبي القطاع".
ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تواصل "إسرائيل" حرب إبادة جماعية واسعة ضد فلسطينيي قطاع غزة، بما يشمل القتل والتدمير والتجويع والتهجير القسري، متجاهلة كافة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت تلك الإبادة التي تدعمها الولايات المتحدة أكثر من 174 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، بجانب مئات آلاف النازحين.